الإمارات... والظواهر الاجتماعية
هناك سببان، حالياً، يدفعان إلى أهمية إنشاء جهة إماراتية متخصصة في دراسة الظواهر الاجتماعية بالدولة: السبب الأول، وجود جاليات أجنبية كبيرة تحمل معها العديد من السلوكيات الاجتماعية التي تختلف مع عادات مجتمع الإمارات، وبعضها بدأ يمس تفاصيل التفاصيل الاجتماعية، وبالتالي يجب مراقبتها ومتابعتها بشكل دقيق. أما السبب الثاني فهو أهمية دراسة وتصنيف بعض السلوكيات الغريبة عن مجتمع الإمارات تصنيفاً علمياً حقيقياً وعدم التسرع في إطلاق الأحكام والتسميات؛ فبعضها لا يصل إلى الحجم الحقيقي لها وبعضها "تقلل" التسمية فيه.
كثيراً ما يتم إطلاق مسميات على تصرفات معينة أو سلوكيات تظهر على الساحة بأنها ظاهرة اجتماعية في دولة الإمارات؛ مثلما حدث مؤخراً بشأن "ظاهرة المسترجلات" (البويات)، وظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، وظاهرة الرجال الشواذ، وغيرها من السلوكيات التي تحدث في أي مجتمع. بل يذهب البعض في حكمهم إلى أبعد من إطلاق تسمية الظاهرة إلى تحديد أمكنة انتشار تلك الظواهر؛ فتسمع أن هذه الظاهرة تنتشر في المدارس والجامعات مثلاً أو بين شرائح معينة في المجتمع. وهذا قد يدفع إلى حالة خوف وهلع زائد أو ربما يجعل البعض، وخاصة الذين لا يدركون حجم المشكلة أو السلوك، يعتقد أنها ظاهرة موجودة على الأرض؛ وهذا له تبعاته، حيث تتعقد المشكلة أمام الباحثين الاجتماعيين.
التفاصيل الدقيقة التي ذكرت حول ما أطلق عليه ظاهرة، تعتبر -من جانب- مؤشراً على مصداقية جامع المعلومات، لكنها في المقابل قد تضر بالمجتمع بشكل كبير؛ لأن المراقب من خارج الدولة قد يعتقد أنها فعلاً أصبحت ظاهرة بسبب عامل "التهويل" في تناولها.
ورغم أن بعض هذه السلوكيات تتكرر مجتمعياً، ما قد يأخذ طابع الظاهرة في التقييم الفردي لأي متابع وبالتالي يطلق عليها كذلك، فإن حالة التسرع في أن يطلق كل صحفي أو مراقب أو مسؤول أو حتى إنسان عادي على سلوكيات معينة تسمية "الظاهرة الاجتماعية"، أمر يؤكد على وجود خلل ما يحتاج إلى استدراكه قبل أن يستفحل الأمر، ويصبح بالتالي كل سلوك لا يعجب فرداً ما في المجتمع "ظاهرة اجتماعية"، وتصبح "الظواهر الاجتماعية" في الإمارات أمراً لا يمكن حصره ومتابعته وربما تترتب عليه إشكاليات كثيرة نتيجة تضخمها.
إطلاق مسمى "ظاهرة" بدون الاستناد إلى أرقام وبيانات حقيقية وقياس السلوك بشكل علمي من قبل مركز متخصص في الدراسات الاجتماعية، أصبح أمراً يستدعي الانتباه له.
ومن أخطر ما استخلصته من خلال متابعتي الإعلامية خلال الأيام الماضية أن هناك أكثر من ظاهرة اجتماعية جديدة في الإمارات، وتم تصنيفها كظاهرة، مع أني أعتقد أنها لم ترقَ إلى حجم الظاهرة بالمفهوم المتعارف عليه علمياً؛ ما يعني أهمية إيجاد جهة حقيقية تحدد إن كان سلوكاً معيناً وصل لأن يصنف على أنه ظاهرة اجتماعية أم مجرد حالات فردية معدودة. ومع أني أرفض التهويل في بعض الأشياء إلا أني مع تسمية الأشياء بأسمائها، لكن لابد أن يكون هذا المسمى بعد دراسة متعمقة ومن قبل الجهات المختصة؛ لأن هناك فارقاً كبيراً بين الظاهرة الاجتماعية وبين السلوك الفردي، وإلا فسندخل في متاهات أخرى.
لابد أن نعترف أنه مع وجود حوالي 202 جنسية مختلفة في دولة الإمارات، يصبح طبيعياً أن تكون هناك ظواهر اجتماعية عديدة، معظمها غريب على مجتمع الإمارات، وهنا تكمن حكمة إنشاء مركز للدراسات الاجتماعية لتتبع تلك الظواهر ووضع معايير لتسمية السلوكيات الاجتماعية بأنها... ظاهرة اجتماعية.